المواضيع الأخيرة
مكر اللغة ودهاؤها
الجـــــــــــــــــــــــلفة حــــــــــــــاسي بــــــــحبـــــــــــــــح عين مــــــــــعبد :: اللغة العربية وآدابها :: اللغة العربية وآدابها
صفحة 1 من اصل 1
مكر اللغة ودهاؤها
مكر اللغة ودهاؤها
ابتسار موضوع «مكر اللغة» من الموضوعات القديمة الذي حلَّقت فيه أجنحة الأوائل حتى أتوا فيه بالمتخير اللباب الذي أدرك كل الصيد في جوف الفرا. وقد بقي في بطون أمَّات الكتب والمعجمات ينتظر من يزيل عنه الأصداف التي تمنع المِفنِّين وعموم القراء من إدراك خباياه وزواياه المغطشة. وفي هذا العصر الذي تداعت علينا فيه الأمم- نحن العرب- من كل جانب، يعد إهمال الاهتمام بهذا الموضوع نتيجة من نتائج الغفلة في التعامل مع ألفاظ وتعابير اللغة كخادم يساعد على تحديد المعنى، أما التعامل مع تلك الألفاظ والتعابير باعتبارها أخلاء وأخدان دُهاة ماكرين، بقدر ما يبدون مكنوناتهم، يصرون على إخفاء ما لا يصح إظهاره تأدبا وتلطفا تارة، وإمعانا في الإضمار والإخفاء لأغراض خبيئة تارة أخرى، فإنه ظل شأوا مُغرَّبا وعنقاء مُجنَّحة، لا يقدر عليهما إلا المترهيون الحذاقيون الذين عجموا عود النصوص وسبروا غور خبيئها الذي يصر مبدعوها على التعتيم واللبس والغموض، اعتمادا على طرائق تعبيرية أساسها الحذف والتقديم والتأخير والإيجاز والتعابير المجازية التي تتطلب فطنة وحذاقة ملمة بأسرار اللمحة الدالة والومضة البارقة التي تتخفى وراء غلالتها مثل تلك العبارات الساحرة.
.ذ أعلن أني لست سوى فرع من أيكة أُبَيْناء الكلام العربي المبين الذين شقوا كِمَّ دهاء اللغة ومكرها، وأتوا فيه بما يعجز الطوق، فإنني أضع بين أيدي القراء هذه الكلمات والعبارات التي تعتورها الألسنة صباحا ومساء من دون أن ندرك أنها بمكرها ودهائها، تفعل في المجتمع ما يفعله السوس في الخشب. فلماذا نطوي كشحنا عن مثل هذه العبارات التي تشفع السم بالعسل، ولماذا بقيت هذه الناحية من البحث غير مستقصاة، ولماذا لوَّن الغرب اتجاهاته في هذا الموضوع ألوانا شتى وطرائق قددا؟ بينما نحن لا يمضي علينا الوقت من دون أن يقيم الشاهد على غفلتنا، كما يتجلى ذلك في غير قليل من هذه التعابير التي تجري رسْلات على الأسلات من دون أن ندرك غورها الذي يَعِد قيَمنا الأصيلة بالمحو والإبادة. ولقد أنهضني إلى الخوض في هذا الموضوع كثير من معارض العبارات التي عميت علينا أنباؤها ودسائسها، ومن ثمة نتناولها محلولا منعشا، ونشربها شرابا نميرا من دون الانتباه لصميم حقيقتها التي تدعونا أن نسلك طريقهم حذو النعل بالنعل. وقد وأيْتُ وغَزوتُ من هذا المقال أن أثير شهية المتأدبين للخوض في هذا الموضوع الذي يهدي إلى السبيل الناهجة، وأن أكون أنا النذير العريان لهذه الطرائق القدد التي تتشعب بنا إلى مزالق الرأي، ومضلات التدابير التي بدأت تمد رؤوس الشياطين في مؤسسات المجتمعات المدنية العربية. وقديما قيل: العاشية تُهيِّج الآبية.
أولًا: تحديد معنى المكر
جاء في الصحاح لإسماعيل بن حماد الجوهري: «المكر: الاحتيال والخديعة» (1) وفي لسان العرب لابن منظور: «مكر: الليث: المكر احتيال في خفية... ابن سيدة: المكر الخديعة والاحتيال... والمكر: المَغْرَة... ويقال للأسد: كأنه مُكِرَ بالمكر أي طلِيَ بالمَغْرة. والمكر سقي الأرض؛ يقال: امكروا الأرض فإنها صُلبة ثم احرثوها، يريد اسقوها... والمكر ضرب من النبات... ابن سيدة: والمكر حُسن خدالة الساقين... ابن الأعرابي: المكرة الرُّطبة الفاسدة. والمكرة: التدبير والحيلة في الحرب. ابن سيدة والمكرة الرطبة التي قد أرطبت كلها وهي مع ذلك صلبة لم تنهضم». (2) جاء في حاشية مقدمة محقق كتاب «الترجمان عن غريب القرآن» : «يرجع معنى المكر إلى أنه تدبير أمر في خفاء، ومعلوم بداهة أن ما يدبر في الخفاء لا يلزم أن يكون شرا، بل قد يكون خيرا، ثم اكتسب المكر في تصورات العامة صورة مستهجنة، تخصيصا منهم للمكر في تدبير ما هو شر...» (3) إننا بإزاء ما يسميه علماء اللغة تخصيص الدلالة، حيث إن دلالة المكر في البدء كانت عامة تدل على تدبير أمر في الخفاء قد يكون للخير وقد يقصد منه الشر، ثم حالت أحوال قصرت استعمال اللفظة على الخداع والاحتيال، شأنها شأن كثير من الألفاظ التي يقص الاستعمال اللغوي بعض أطرافها مبقيا على معنى خاص نتيجة للتغيرات الذوقية والسياسية والفنية والاجتماعية والدينية مثل الألفاظ الآتية التي كانت دلالتها عامة ثم خصصت بشيء محدد: الصلاة والنفاق والفنان والسبت والمأتم والعذراء والتلاميذ والأستاذ والصفقة والكعبة وهلم على ذلك جرا وسحبا.
ثانيًا: دلالة لفظة المكر في القرآن الكريم
أورد القرآن الكريم هذه اللفظة (مكر، يمكر، مكرا، الماكرين، مكرهم، مكرهن، يمكرون، مكرتموه، مكرنا، مكروا، تمكرون...) سبعين مرة (70) والملاحظ من استقراء استعمالات القرآن لهذا الجذر اللغوي، أن الله- جلَّ في علاه- تارة يبقي اللفظ من دون صفة، وتارة أخرى يلحق به صفة السوء والكُبَّار. قال تعالى من سورة فاطر آية 43: {استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله...} وقال من سورة نوح آية 22: {ومكروا مكرا كبارا}. وقال أيضا من سورة النحل آية 45: {أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض...}. إن الذي يقرو دلالة (المكر) ويكتلئ الاستعمالات التي وردت فيها، لا يساوره شعاع من الريب في أن القرآن الكريم أبقى على دلالة (المكر) عامة يراد بها تدبير أمر في خفاء قد يكون للخير، وقد يكون للشر. «والله تبارك وتعالى يمكر وهو خير الماكرين، ولذلك ذم الله المكر السيئ، ولم يذم مطلق المكر» (4) وهذا يحذقه من كان دريا بلغة القرآن الكريم الذي لم يبق من روض الكلمات العربية الأبكار كلمة إلا افترعها وشق كِمَّها، ولا عبارة شائقة ماتعة إلا اقتنصها بكيفية معجزة تُوَلِّد عجائب لا تحصى ولطائف لا تستقصى، تدعو الباحث إلى الاستفراه والمكابدة والاعتيام وقرع ظنبوب الاجتهاد لأجل الظفر بشعاع من شمس معرفتها.
ثالثًا: دهاء اللغة
وهو مذهب يغزو التلطيف والتليِّين تارة، والدهاء والتغليظ والتعنيف تارة أخرى، لأجل حجب المعايب وتغليف القول المراد بطبقات أسلوبية معمَّاة تفضي بالمتلقي إلى التقبل والرضا، وبالمُرسِل إلى الفلج والظفر بالمراد. فهذا خليفة أراد حماية صديق له مُدْمِن على شرب الخمر فقال للوالي: «إذا أحضر أحدهم هذا السكير، فاجلد الذي أحضره مائة جلدة، ثم اجلد السكير ثمانين جلدة! فلمَّا تسامع الناس بأمر الخليفة لم يجرؤ أحد على الشكوى من السكران!» (5) ومثل ذلك مثل المنجِّميْن اللذيْن استطلعا مستقبل أحد الملوك فقال الأول للملك بأنه سيكون أول من سيتخَرَّمُه الموت من أهله، وهي حقيقة أفزعت الملك الذي أمر بطرده والإساءة إليه. ولما تسامع الآخر بخبر المنجم الأول قال للملك في حيلة ودهاء بعد أن تأكد هو الآخر من دنو أجل الملك: إنك يا مولاي لن تفجع بأحد من أهلك طوال حياتك. فسُرَّ الملك لمقالته وأكرمه، رغم أن المقالتين تتفقان في أن الملك هو أول من سيموت، لكن الثاني تلطف واحتال، ولم يقل كما قال الأول الذي لم يحترس بعقله من قوله. وفي إطار الملاطفة مع النبي "صلى الله عليه وسلم" ، وظف سبحانه وتعالى في سورة «المجادلة» فِعليْن مختلفين في درجة التلطيف، فعندما تعلق الأمر بكلام المرأة التي تشتكي زوجها للنبي "صلى الله عليه وسلم" ، استعمل فعل (تجادلك) وعندما اشترك معها الرسول "صلى الله عليه وسلم" في الكلام تلطف القرآن قائلا: (والله يسمع تحاوركما) لأن التحاور ألطف وأليَن من الجدال والمجادلة.
ويعد هذا الدهاء والتلطف الذي تجود به اللغة، طريقة أسلوبية حكيمة تنعت في البلاغة بأسلوب الحكيم، وهو ضرب لا يستطيعه إلا الحذاق المترهيون أبيناء الكلام العربي، إذ إن تتبع هذه الظاهرة اللغوية (مكر اللغة ودهاؤها) بات يتطلب فطنة وحذاقة ولوذعية قادرة على استجلاء الأغراض الخفية لبعض الألفاظ والعبارات التي تشفع السم بالعسل أملا في توجيه نظرة المجتمع نحو غايات سافلة، وقيم منحطة إن كتب لها الذيوع والانتشار فستذهب مستقبلا بالأوتاد، وتعصف بكيان الدول الإسلامية. لهذا وَأَيْتُ على نفسي وجردت العزم على هتك أستار تزيين وتلطيف بعض الأقاويل التي تروج لها بعض الدوائر التي انسلت من القيم الدينية كما تنسل الأفعى من خرشائها في مثل هذه العبارات التي تنكبت سبيل الحق في تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية، مثل العبارات الآتية التي استوردناها من مدنية الغرب الذي يعوم في محيط من المفاسد الأخلاقية، التي يرجو- في إطار كونيته المسلطة على الضعفاء سيفا بتارا- أن نركب معه قاطرة العولمة بقضها وقضيضها من دون أن يسمح لنا بالتوفر على غربال واسع الثقوب يمكننا- في أثناء هزهزته- من الإطاحة بالمضلات الكُثر التي تفعل في هُويتنا العربية الإسلامية ما يفعله السَّرف في المال.
أ- تعبيرات الحقل الاجتماعي
< الأمهات العازبات.
< الأمهات الوحيدات.
< الأطفال المتخلى عنهم.
< الزواج المسيار.
< المثليون.
< التحرش الجنسي.
لا ريب أن مثل هذه العبارات التي لم نسمع بها وبمثلها في آبائنا الأولين، لا تنتشر إلا في المجتمعات التي ماسحها الغرب، وختلها ختلة السِّرحان، فزين لها سوء أفعالها حتى حادت، أو كادت أن تحيد عن القيم الدينية الأصيلة، ومن ثمة أضحت البَغِيُّ أُمًّا عازبا، والبُهْثة ولدا مُتخلى عنه تأمل قوله تعالى في سورة مريم لما بشَّرها المَلَكُ بعيسى عليه السلام. آية 20: {قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا} حيث سارعت إلى نفي صفة البغي عنها مثلما نفاها قومها عن أمها في السورة ذاتها. آية 28: {يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا}. وإذ ثبت بما لايدع رسيسا من الريب أن هذه العبارات وغيرها من إنتاج مجتمعات الغرب اللائكية، فإن أفضل ما نوطئ به الكلام في هذه الناحية الدعوة إلى تجفيف منابعها، ومحوها من الوجود العربي الإسلامي، لأنها عبارات من السوأة الصلعاء العارية عن الفضيلة. وإذا كان الغرب قد غرق في أوحال التفكك الأُسْرِيِّ والاجتماعي، وجعل أنفه في قفاه حتى انتهى إلى دركات الانحلال الأخلاقي التي يلبس فيها الحق بالباطل، فإن هذا الخطب البازل المستحكم، لا يميته إلا ترك هذه المُضِلات، وتجفيف منابع تلك المفاسد بالعودة إلى القيم الإسلامية التي تحرم الزنا وتجرم النتائج المنكرة المتولدة عن تعاطي الفاحشة. إذ لا يخفى على الذابر الذي استوشى حقيقة هذه الاصطلاحات أنها بمثابة مقدمات الحروب الناعمة التي يدبرها الغرب اللائكي فتغنيه- في الغالب الأعم- عن تكاليف الحروب العسكرية، لأن المقاومة بالكلمة تتصدر الجيوش الحقيقية، فإذا لم تغن كلمات اللغة عن المقاومة بالفعل، فإنها تؤسس لمرحلة التخصيب والدهاء وزرع الأجنَّة اللغوية المُعَدَّلة على شاكلة عبارات السوأة الصلعاء الآنفة، لتدمير الخصوصيات اللغوية لصالح تيار العولمة المستأسد على دول الأطراف والحواشي، تخلخل وترجرج كلماتها وما تقوله تلك الكلمات رويدا رويدا، وعندما تطمئن إلى تمظهرات سمومها التي تسري في جسد تلك اللغات، ترفع رؤوس شياطينها، وتكسر رماح الكلمات التي تدافع عن حوزتها رُمْحًا رُمْحًا حتى لا تجتمع فتتأبى على الانكسار. وقديما قيل: يُبْلغ الخَضْمُ بالقَضْم.
ب- تعبيرات الحقل الديني
وفي الميدان الديني يبدو الدهاء والمكر والاحتيال في أوضح تجلياته، إذ إن الغرب المستبد أحكم خطة بزلاء تتمظهر تارة في لباس التشدد والغلظة، لعلمه أن للقسوة موضعا لا ينبغي الاستغناء عنها، كما في عباراته المنكرة الآتية، التي تكشف عن وجهه البغيض، الذي يتقصَّدُنا بالجافي من القول، والمنكر من الصفات التي تفتقر لأدنى شرائط التأدب والكياسة، مؤكدا في إصرار أن الذي يؤثر تلك الفعال فسوف يصلى سعير نيران طائراته، وكان ذلك عليه هينا يسيرا، كما يتبدى من الصفات والعبارات الآتية:
< محور الشر.
< الإسلاموفوبيا.
< الإرهاب والتطرف.
< الانتحاريون الفلسطينيون.
وفي أحايين أخرى يتبدى في لباس اللطف والمشاورة، لعلمه أن للتلطيف واللِّين موضعا ينتفع به، مستفيدا من نصائح المِترهيِّين الدواهي في سياسة القول «وكان يقال: قارب عدوك بعض المقاربة، تنل حاجتك، ولا تقاربه كل المقاربة، فيجترئ عليك عدوك، وتذل نفسك ويرغب عنك ناصرك» (6)، لذلك أحكم خطة ستربها إرْبِه حتى يعرف بالمماسحة التي تقضي له حاجاته من دون كد، لأنه أبصر الثلَم والمعايب التي يتقحَّم منها على الشعوب المتخلفة التي يعُدُّها أغر من الظبي المُقْمِر، ومن ثمة لا يتوانى في الظهور بمظهر المكر والتودد والاستمالة لأجل شرب عباراته المستفرهة المُعمَّاة شرابا سائغا نميرا، لأنه دبر خطة بزلاء أساسها انتقار المفردات والعبارات المغرية ببريقها وبرقها الخُلَّب مثل عبارة:
< «دولة إسرائيل» إذ لا امتراء أن هذه العبارة التي تنسب اليهود إلى أبيهم «يعقوب» تنبض بغير قليل من الدلالات الدينية التي توحي أولا بشرف الانتساب إلى إسرائيل، وآخرا بإقامة كيانهم على أساس ديني يدعو إلى العطف والشفقة من خلال استحضار عذابات « يعقوب» عليه السلام.
أما عبارة: «التبشير الديني» التي أصبحت تجري على ألسنة الصحافيين في كثير من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، من دون الانتباه إلى خطرها الإيديولوجي والديني، فإنه يسعى- من خلالها- إلى خلخلة يقينيات المسلم، من خلال التسويق للحمولة العاطفية التي تدل عليها. إنه هو المبشر الحامل للخير والمحبة والسلام، بينما يدل غيره على التنفير والإرهاب. وهذا منتهى الخداع اللغوي الذي يركب السَّخْبر لتزيين تحويل الناس عن معتقداتهم، وكسب أنصار جدد ينضمون إلى لائحة الأقليات في المجتمعات العربية، ومن ثمة افتراء الدفاع عن حقوق معتقداتهم ولغاتهم، وهلم على ذلك جرا وسحبا.
ج- تعبيرات الحقل السياسي
< دول الطوق.
< عملية السلام.
< المستعمرات الإسرائيلية.
< محور الاعتدال.
< الشرق الأوسط الجديد.
< الاتحاد من أجل المتوسط.
< الحقوق اللغوية.
هذه العبارات التي ظاهرها الحياد، وباطنها من قبله التدليس، قد دبرت الإمبريالية والصهيونية جريانها على ألسنة الصحافيين، غايتها حجب الحقيقة التي تقولها بمكر سيئ ودهاء مدبر، تارة باعتماد التغليظ اللغوي الذي يظهر الجانب السيئ للعبارة، كما في عبارة: «الانتحاريون الفلسطينيون» الآنفة، وكأن الفلسطينيين ليست لهم قضية، ولم يفرض عليهم العدو أشد أنواع الحصار الذي لم يبق لهم سوى أن تتفتق عبقرياتهم عن طريقة جهادية فعالة لإرهاب العدو. أما عبارة «دول الطوق» فتكشف كما يؤكد د.نبيل علي في كتابه «العقل العربي ومجتمع المعرفة: مظاهر الأزمة واقتراحات بالحلول» عن إيديولوجية ماكرة مؤداها أن إسرائيل حمامة ترمز إلى السلام، ويطوقها أعداء لدٌّ يهددون كيانها، ولذلك يتعين على الغرب أن يقوي سلطانها على دول الممانعة. وإذا كانت عبارة «الحقوق اللغوية»- في ظاهرها- ترمي إلى الإنصاف والعدالة، فإنها عند إنعام النظر في خباياها، تسعى إلى تقويض التماسك المجتمعي والسِّلم اللغوي، بزرع الفتنة اللغوية بين أبناء الشعب الواحد، وتأجيج الاقتتال حول الكلمات، وما تقوله تلك الكلمات واللهجات بالنسبة إلى كل طائفة من أبناء الشعب الواحد، لضمان الحماية اللغوية، وإنقاذ اللهجة من الموت، وامتلاك الوسائل الإعلامية المروجة لها. ومن ثمة تصوير تلك اللهجات كأنها مائدة المَنِّ والسلوى، التي يجب على العرب أن يأكلوا منها لركوب قطار العولمة. هذا نذير من النذر الذي يُطِل برأسه الشيطاني الليطاني على مشهد مأساة الانتحار اللغوي، والذي يقول في دهاء مدبر، وتواطؤ منكر: إن العربية الفصحى خرساء لا تكاد تبين، ومن ثمة يحسن بالعرب أن يستبدلوا بها اللهجات التي تزودها الشعوب بالخميرة اللازمة للبقاء والتواصل المفضييْن إلى تفتيت وحدة اللسان، ومن ثمة فقدان الثقة باللغة العربية الفصحى، والعزوف عنها وعن استعمالها، والتهاون في فقدان كلماتها وما تقوله تلك الكلمات! ويؤكد اصطلاح «عملية السلام» بما لا يدع رسيسا من الريب أن عملية السلام لا أول لها ولا آخر، فهي عملية طويلة الذيل، قليلة النيل، بحيث إن أي حل جزئي لقضية من القضايا، تتولد عنه أمَّات قضايا أُخَر لم تكن في الحسبان. وهذا هو السر في أن عملية التفاوض تراوح مكانها لا تبغي عنه بديلا، مادامت تسمح للصهيونية بقضاء مآربها في السيطرة على أكبر قدر من الأراضي الفلسطينية التي تنبت فيها المستوطنات كما تنغش التينة بالدود.
رابعًا: تأزير
هذه نغبة طائر في هذا الموضوع الذي يجب أن تتوجه إليه نابهة الأمة العربية لتبصرة شعوبها بالمُنْعِلات التي يرمينا بها الغرب المعولم، فنزيل عن أعيننا العُصاب التي تحجب عنا حقيقته كاملة. وإذ أدْرِكُ أن البحث في موضوع «مكر ودهاء اللغة» سيتشعب في قادمات الأيام بعديد التحليلات والتسويغات والترجيحات، فإنني أرجو أن أكون أنا النذير العريان في الإبانة عن بعض الحيل الأسلوبية التي تروج لها العولمة بوسائلها الذكية، وحبائلها الشيطانية، التي تجعلنا نتمتَّك محلول مصانعها اللغوية التي تمدها بلاغة الدهاء بالوقود الكافي لإلقاء عصا التفرقة بيننا، وإلهائنا بسفاسف الأمور التي تذكيها الفتن اللغوية التي بدأت تطل برؤوسها الشيطانية المشتعلة بيننا على مستوى القطر الواحد. وقانا الله شر هذه العاقبة. آمين.
لا ينتبه كثيرٌ من الصحافيين إلى خطورة استخدام عبارة «التبشير الديني» التي تحمل منتهى الخداع اللغوي
مفتش منسق جهوي لمادة اللغة العربية الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين- المغرب
هناك بعض الحيل الأسلوبية التي تروج لها العولمة بوسائلها الذكية وحبائلها الشيطانية
الهوامش
الصحاح: تاج اللغة وصحاح العربية– تأليف إسماعيل بن حماد الجوهري تحقيق أحمد عبدالغفور عطار– الجزء الثاني. باب الراء فصل الميم– ص 819 الطبعة 4- كانون الثاني/ يناير 1990- دار العلم للملايين بيروت– لبنان.
لسان العرب- أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور. المجلد الخامس. باب الراء فصل الميم. ص 183 و 184 الطبعة 3- 1414 هـ 1994 م- دار صادر. بيروت- لبنان.
الترجمان عن غريب القرآن. تاج الدين أبوالمحاسن عبدالباقي بن عبدالمجيد بن عبدالله اليماني. دراسة وتحقيق: موسى بن سليمان آل إبراهيم. ص 46- الطبعة 1- 1419هـ- 1998 م. مكتبة البيان- الطائف.
نفسه.
أوراق منير العجلاني. كتاب المجلة العربية. العدد 400. ص 98- جمادى الأولى 1431هـ/ مايو 2010 م. الرياض. المملكة العربية السعودية.
6- الأدب الكبير والأدب الصغير. عبدالله بن المقفع. ص 177. دار الجيل. بيروت.
الجـــــــــــــــــــــــلفة حــــــــــــــاسي بــــــــحبـــــــــــــــح عين مــــــــــعبد :: اللغة العربية وآدابها :: اللغة العربية وآدابها
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين 11 يناير 2021 - 19:30 من طرف Admin
» المحظوظ ....
الإثنين 11 يناير 2021 - 19:25 من طرف Admin
» *شيرخان الشرير* بالغابة
الأحد 3 يناير 2021 - 19:25 من طرف عقون احمد
» أسماء بيوت الحيوانات
الأحد 3 يناير 2021 - 19:14 من طرف عقون احمد
» رأس المال الوهمي
السبت 2 يناير 2021 - 19:09 من طرف عقون احمد
» عبارات اعجبتنى
السبت 2 يناير 2021 - 19:05 من طرف عقون احمد
» الثقة بالله
السبت 2 يناير 2021 - 18:57 من طرف عقون احمد
» من الصفات اللئيمة في النفس:
الجمعة 1 يناير 2021 - 21:46 من طرف Admin
» السـبع آيــات المنـجيــات
الجمعة 1 يناير 2021 - 21:42 من طرف Admin